المراحل الخمسة للثورة المصرية

ترجمة للمقال: The Five Stages of Egypt's Revolution   للكاتب:  Charles Holmes

سألني صديق حكيم في واشنطن منذ بضعة سنوات عن مصر، أراد أن أصف له مصر في ٣٠ ثانية أو أقل، قال: "هذه دولة تعاني من نقص الانتباه، فبماذا تصفها؟". فلخصت وشرحت له الاطراف ال"ج" الـثلاثة في مصر: الجيش، الجامع والجماهير.

بالرغم من الثورة الشعبية التي قامت ضد نظام حسني مبارك العام الماضي، ظلت المنافسة السياسية الحقيقية في مصر بين جنرلات الجيش والاخوان المسلمين. كلاهما يريد السيطرة على الجماهير -- ٨٥ مليون مصري. الانتخابات الاخيرة اظهرت الاطراف "ج" الثلاثة: رغم اثارتها لاكتئاب الكثير من النشطاء والاصلاحين، وضعت تراكمات ١٨ شهرًا من الاحتجاجات الصاخبة مرشح الاخوان المسلمين محمد مرسي في جولة الاعادة مع احمد شفيق، العسكري المتقاعد وأخر رئيس وزراء لمبارك.

بغض النظر عن فوز مرشح الاخوان او مرشح الجيش، على الثوار وأنصارهم حول العالم أخذ بعض السيناريوهات المهمة والمحتملة في اعتبارهم، يمكنهم الاستعانه بنسخه من كتاب "تشريح الثورة The Anatomy of Revolution" للكاتب كراين برينتون Crane Brinton، وهي دراسة لأهم الثورات في التاريخ من العام ١٩٣٨. وعليهم ان يحددوا العوامل المؤثرة فيهم، وان يحاولوا استنباط "قواعد" محددة لمصير مثل تلك التحولات السياسية العنيفة. فوسط المناخ المذهل من عدم اليقين الذي يكتنف مأزق مصر الحالي، توفر تلك القواعد على الاقل اطارا -وفي كثير من الأحيان وللغرابة توفر مرجعا دقيقا- يمكن من خلاله توقع الاحداث. وتخدم كدليل لمستقبل مصر وتحذير. فحكما المحكمة الدستورية الأخيران بتمكين شفيق من الاستمرار في سباق الرئاسة وحل البرلمان --تأكيدا لقبضة الجيش على السلطة، مما اثار غضب الملايين من المصريين-- ينبغي فقط ان يؤخذا على انهما علامة أخرى على أن رأس السلطة الذي ينزف اكثر من اي وقت مضى لن يستطيع الصمود في النهاية.

ستجد أن برينتون يقول لك إنه على المدى البعيد، لا يهم حقا من يكون رئيس مصر التالي. فمرسي او شفيق سيان: كلاهما من أشباح الماضي، تدور حول بعضها البعض، مدرجة وسط النظام القديم الذي صنعها وحافظ عليها لعقود. بالطبع يزعم كٌل من مرشح الجيش ومرشح الجماعة انه هو الممثل الحقيقي للثورة، لكن في الحقيقة كليهما ليس كذلك، وكلاهما سوف يختفي من المشهد بينما يتأرجح بندول الثورة بين أقاصي الاطراف.


قد تتساءل (كيف لا يهم؟) فبينما يقف الإخوان والجيش (ممثلا بالمجلس العسكري الحاكم) كٌل كمنتصر، كلاهما يخاطر بخسارة قبضته على السلطة السياسية. كلاهما لا محال سيكون ضحية للتحول السياسي الحقيقي وسينجرف بعيدا، كما يقول برينتون، خلال مسار الأحداث.

توجد علامات الآن تدل على أن ذلك ممكن الحدوث، وليس من المستغرب أن يعرف مرسي وشفيق ذلك؛ فممانعة الاخوان المسلمين المبدئية للمشاركة في الثورة في ايامها الاولى قد تحولت لسعي محموم للمشاركة في تشكيل العملية الديمقراطية، من الانتخابات الى التعديلات الدستورية. تُرى الجماعة الان على انها ملتزمة تماما بتغيير النظام، وتغازل بهدوء اقاصي التيار الثوري، المدني والديني، على حدود الخريطة السياسية المصرية -الذين يتراوحون من الشباب الثوري حتى الأجنحة المحافظة من السلفيين. لكن بالرغم من المداعبة المؤقتة، كٌل من مرسي وقياداته يفضل كثيرا ان يتولى شفيق وحلفائه العسكريين السلطة على ان يتولاها ثوار مصر الحقيقيون. فعلى سبيل المثال، عشية الانتخابات البرلمانية في نوفمبر ٢٠١١ استفاد كثيرا كلا المعسكران -الاخوان والمجلس العسكري- من صفقة عقدوها على حساب ألاف المتظاهرين الذين هددوا بعرقلة الجدول الزمني للانتخابات. وبعدما عقدت الانتخابات كما كان مخططا، فاز الاخوان المسلمون تقريبا بنصف مقاعد البرلمان، بينما سمحوا باستمرار سيطرة المجلس العسكري على السلطة المطلقة - وهي صفقة خدمت المصالح قصيرة الأمد للطرفين.

لكن في المستقبل القريب، تصبح الأطراف ال"ج" الثلاثة أقل أهمية من الألف الكبيرة: "الإقتصاد المصري". بغض النظر عمن هو الرئيس، فان التحديات الاقتصادية التي يواجهها -بدءا من البطالة المزمنة الى القروض الأجنبية المتعاظمة- ملحة جدا. فخلال الثمانية عشر شهرا الاخيرة تهاوت الاحتياطات النقدية الأجنبية بأكثر من النصف، والاستثمارات الاجنبية المباشرة في السنة الماضية لم تتجاوز ثلث الاستثمارات عام ٢٠١٠، وانهار قطاع السياحة، وبخلاف مؤسسات الجيش، فإن موارد وقدرات الدولة بالية وسيئة الأداء.

اخيرا، فان العلاقة بين البرلمان، ومؤسسة الرئاسة والحكومة مازالت تحتاج للتعريف. فتلك المؤسسات اليوم في مصر تعاني من عرج بائس، بينما تتجادل القوى السياسية حول تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور الجديد. البرلمان تاريخيا لم يكن أكثر من ختم مطاطي لسياسات النظام، وبينما يذهب المصريون لاختيار الرئيس الجديد تبقى صلاحياته لغزا. ان رئاسة عاجزة نسبيا مع قدرة قليلة حقيقية على فرض تغييرات في السياسة لا تزال احتمالا راجحا.

يبدو واضحا الآن، ومن أجل تغيير سياسي حقيقي، أن القوى الثورية المصرية ستحتاج بطريقة ما الى تحجيم قوة العسكر والجماعة. إعادة التوزيع الحقيقي للسلطة السياسية تتطلب ثورة درامية على هذه النظم الراسخة؛ فكما يحذر المُنظر السياسي جين شارب Gene Sharp في مقالته المنشورة عام ١٩٩٣ "من الديكتاتورية الى الديمقراطية": "لا أزعم اطلاقا ان تحدي ديكتاتور بأي مكان هو مسعى سهل او مجاني، فلكل أشكال الصراع هناك تعقيدات وهناك ثمن؛ فسقوط نظام لن ينتج عنه مدينة فاضلة".

في مصر، هذه التضحيات لا تقتصر فقط على مئات الشباب الشهداء، بل تشمل أيضا تدمير الترتيبات التي انحازت لقطاعات معينة من المجتمع المصري وأسست لنظامها السياسي. مرة أخرى، يقدم برينتون دليلا لكيفية التفكير في هذه العملية عن طريق تصوير الثورات في مجموعة من المراحل: حسب نموذجه، فان مصر اجتازت المرحلة الأولى -انهيار النظام- وبدأت المرحلة الثانية، المتمثلة في تشكيل حكومة معتدلة مؤقتة غير فعالة تفشل في تحقيق تغيير سياسي كاف. طبقا لطريقة مقارنتك للوضع المصري بهذا النموذج، فان هذه المرحلة قد تعادل مرحلة المجلس العسكري الانتقالية او نوعا ما من حكومة أوسع من شأنها أن تكون غير شعبية، ومكتوب لها الفشل. مرة أخرى، سواء قاد مرسي او شفيق هذه الحكومة لن يكون الاختلاف جوهريا على المدى البعيد.

فشل المعتدلين سيقود للمرحلة الثالثة: تفكك مجمل العملية الانتقالية المحددة، مما يؤدي لارتباك سياسي واسع النطاق، وصدامات كبيرة، وبدايات عنف قد يتطور الى فوضى. المرحلة الرابعة ستقدم فترة وجيزة من التطهير الجذري -مرعبة من حيث حماستها التي لا هوادة فيها وطغيانها. هذه "الحمى"، وفقا لمصطلح برينتون، تنتهي في المرحلة الأخيرة، حيث تقضي القيادة الراديكالية على نفسها وتستبدل بنظام مستقر طويل الأمد وممثل للشعب.

من غير الواضح من سيكون متعصبي "المرحلة الرابعة" في السياق المصري، غير أن نوع ما من قوة مسلحة دينية تبدو محتملة. فبالفعل، غياب السلفيين والجماعات المتشددة الأخرى الواضح عن المشهد التصادمي للقوى الأساسية - وخصوصا بحساب ادائهم الانتخابي المذهل الذي وفر لهم ٢٥٪ من البرلمان.. صمتهم موحي، كصمت اليعاقبة في فرنسا أو البلاشفة في روسيا. هم بوضوح ينتظرون بفارغ الصبر ضعف العسكر والجماعة، اللذان بدآ الان فقط عملية اضعاف بعضهما البعض -كما أضعفت الأطراف المعتدلة في فرنسا الثورية او روسية بعضها البعض- ممهدين الطريق للمتطرفين.

بالطبع، هذا النوع من النماذج غالبا ما يتم تجاهله كتصور طائش من المؤرخين البنيويين، فمصر ليست فرنسا أو روسيا. لكن في سياق المعضلة السياسية الراهنة في مصر، سيناريوهات برينتون يجب أن تؤخذ على محمل الجد. وما تقترحه هو ما نعرف بالفعل انه صحيح: ان نتائج الثورة المصرية لن تقررها لجنة، ولن يستطيع احد ادارتها، ولن تكون خاضعة للاشراف. سوف تحدد في الشوارع، كما كل الثورات. ثورة مصر لا تقترب من نهايتها، لقد بدأت لتوها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

two's complement

أزمة السياسة والأحزاب في مصر