مصر تحتاج نظام حكم بدون زعيم

وسط حالة ضبابية تمر بها مصر الأن، حالة من عدم وضوح الرؤية وعدم وجود أي خطط لتشكيل مستقبل مصر الجديد بعد ثورتي ٢٥ يناير و٣٠ يونيو، أتت ذكرى جمال عبد الناصر لتوضح مدى احتياج المصريين لرؤية -أي رؤية- للمستقبل. مع الأسف غرق المصريون في الجدال المعتاد: جمال عبد الناصر كان عظيما. لا! جمال عبد الناصر كان كارثة.

حتى من يتصدر المشهد السياسي الأن انخرط في هذا الجدل، توافد كل من يطمح في الجلوس على "العرش" المصري لإحياء ذكرى "الزعيم". حمدين صباحي، عبد الفتاح السيسي، وحتى رموز شبابية. كلهم لا يملكون خطة واضحة للمستقبل، وكلهم يرغب في ربط اسمه بإسم عبد الناصر.

مشكلة مصر منذ فترة طويلة غياب التفكير النقدي المحترم. كلنا نريد تجسيد طريقنا للمستقبل في "زعيم" جديد، أو نريد الانتقام من الطرف السياسي الأخر عبر تشويه "زعيمه". لا نقرأ تريخنا ولا تاريخ الأمم الأخرى، لا ندرس أسباب مشاكلنا ولا الطرق السليمة لحلها، فقط نبحث عن "الزعيم" الذي يملك الحل. نحن هنا لا نختلف عن الإخوان في شيئ، لهم "مرشدهم" ولنا "زعيم".


حتى الأن مثلا لم يتم حسم موضوع نسبة الفلاحين والعمال في مجلس "الشعب" أو مجلس "الأمة" أو أيا كان اسمه الأن. تركت لجنة العشرة هذا القرار للجنة الخمسين والتي غالبا سوف تترك ذلك الخطأ التاريخي كما هو، والسبب غالبا سيكون خوفهم من أن يتهمهم شخص "يساري" بأنهم يعادون الكادحين في مصر، أو لأنهم لا يريدون سحب هدية المعصوم من الخطاء جمال عبد الناصر لقوى الشعب العامل، ولهذا السبب سيستمر الفلاحون والعمال -لهم كل الاحترام- أو من يدعي انه فلاح أو عامل، في كتابة تشريعات وقوانين الخروج من الأزمة في مصر!!

عبد الناصر له حسنات كثيرة، لكن أكبر أخطاءه، وهو الخطأ الذي امتد تأثيره حتى هذا اليوم وأرجو ألا يمتد للمستقبل، هو انه صمم نظام حكم هرمي يتم تلخيصه في شخص واحد، وبذلك ربط كل مستقبل مصر حتى اليوم بالإجابة على سؤال واحد: من يكون الرئيس القادم؟!

بداية حل مشاكل مصر كلها قرار يملكه كل من يجلس اليوم في لجنة الخمسين: يجب تفكيك الهرم وتوزيع سلطات رئيس الجمهورية على العديد من المسئولين في مؤسسات مختلفة لا تخضع لأي شخص واحد. لا ينبغي للرئيس أن يعين رؤساء المحاكم أو النائب العام، هذه السلطة ينبغي أن تكون لمجلس قضائي منتخب من جموع القضاة بكل شفافية. لا ينبغي أن يعين الرئيس المحافظين، من الأفضل أن ينتخبهم سكان المحافظة وينبغي زيادة صلاحيات وسلطات المحافظ. يجب إجبار رئيس الجمهورية على اختيار رئيس الحكومة من حزب الأغلبية في البرلمان. لا ينبغي لرئيس الجمهورية أن يعين رؤساء الأجهزة الرقابية التي من وظيفتها مراقبة أداء رئيس الجمهورية نفسه، ويجب منح الأجهزة الرقابية سلطة ملاحقة أي مسؤول فاسد وتقديمه للمحاكمة دون العودة لرئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة.

بدل المحافظة على مظاهر النفاق في النظام كقانون نسبة العمال والفلاحين في مجلس الشعب، يجب منح العمال والفلاحين والموظفين في مصر حرية انشاء النقابات التي تدافع عنهم، ينبغي عدم حصر حقهم في التمثيل في نقابة واحدة لكل مهنة، توجد نقابات كثيرة في مصر الأن لكن الفساد سيطر عليها كما سيطر على كل مفاصل الدولة، اطلاق حرية العمال في انشاء النقابات كفيل بالقضاء على الفساد في النقابات المصرية.

الكثير والكثير من السلطات ينبغي توزيعها في نظام به توازن بين السلطات، والكثير من الحريات يجب منحها للمواطن ليتم توزيع مهمة الرقابة على المسؤولين على كل من يتأثر بقرارتهم، نحتاج نظام واضحا وقويا ليكون قادرا على حل مشاكل مصر المتعددة. مصر لا تملك رفاهية انتظار ذوي الأيدي المرتعشة حتى يتخذوا القرار. اكتبوا دستورا ديمقراطيا قوي يستطيع حل المشاكل حتى نستطيع تجاوز هذه الخطوة ونمضي قدما.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

two's complement

المراحل الخمسة للثورة المصرية

أزمة السياسة والأحزاب في مصر