2 فبراير: موقعة الجمل





كنت في الطريق للتحرير يوم الأربعاء صباحًا، وجدت تحرك كثيف لـ -حتى ذلك الوقت- متظاهرين مؤيدين لمبارك، ملامح وجوههم وطريقة تجمعهم أرعبتني، أسرعت مشيا إلى ميدان التحرير، كانوا يأتون في عربات نصف نقل وربع نقل، عربة سوزوكي بيضاء، ثم عربة ربع نقل زرقاء مكتوب عليها "محافظة حلوان"، حين وصلت الميدان كانوا مئات بينهم يهتفون باسم مبارك داخل الميدان وسط المعتصمين ويحاولون إقناعهم أن مبارك "أب لنا"، الناس غاضبة والجيش لا يفعل شيئاً، ثم فجأة أتت مظاهرة كبيرة من ميدان عبد المنعم رياض بقيادة أشرف زكي نقيب الممثلين تهتف باسم مبارك وتدخل ميدان التحرير، ومظاهرة أخرى قادمة من ميدان مصطفى محمود بقيادة حسام حسن وإبراهيم حسن تهتف باسم مبارك، انسحب من الميدان العناصر التي كانت تناقشنا وراء المظاهرة المؤيدة لمبارك، ثم بدأ قصف الحجارة. أسرع كل الشباب بالميدان إلى الأمام لحماية كبار السن والسيدات المتراجعين لوسط الميدان، الكثير من الإصابات. بالرأس كلها.

الاضطراب حل في كل الميدان، الناس تنزع الأسوار حول الميدان ويسحبوها إلى الخطوط الأمامية كدروع، والخطوط الأمامية تتلقى الحجارة ويقع مصابون، ومن لم يصب يمسك بالأحجار ليلقيها عليهم مرة أخرى. ثم دخل خيالة على ظهور أحصنة وجمال يمسكون بسياط لترويعنا، تمكن من في المقدمة من الإمساك باثنين والسيطرة على أحصنتهم، بينما استمر الآخرون في تلقي وإلقاء الحجارة في معركة حامية. وبدأ من في وسط الميدان تكسير أحجار من الرصيف لنتمكن من الدفاع عن أنفسنا، كل ذلك بينما أخذ الجيش موقف المتفرج. ورأيت متظاهرون يتوسلون من الضباط بالقرب من المتحف التدخل بينما رفض الضابط بحجة أن كلنا مصريون وأنه لم يتلق أوامر! علماً بأن الجيش كان قد أعلن في بيانه أنه لن يهاجم المتظاهرين وأنه موجود فقط لحمايتهم.

تراجع البلطجية القادمون من ميدان عبد المنعم رياض، واستمرت الاشتباكات بعد الدبابات واختفى ضباط الجيش في هذه الناحية، تقريبا دخلوا إلى المتحف لحمايته وتركوا الناس لتخوض معركتها. من ناحية ميدان طلعت حرب استمر اقتراب مجموعة أخرى من البلطجية. الضابط الذي يحرس تلك الجهة قال لنا أنه تلقى أوامر بعدم التدخل ولكنه مستعد أن يخلع بدلته العسكرية ويطلق النار لحماية المتظاهرين. وحين اقترب البلطجية جداً بالفعل رأيته يخرج سلاحه ليضرب النار في الهواء، طبعاً تفرق البلطجية، وكان هذا من آمن المداخل طوال الـ24 ساعة التالية.

اكتشفنا أن البلطجية يقتربون من كل مداخل الميدان، بأعداد كبيرة وكلهم يحملون الحجارة، ترك المتظاهرون وسط الميدان كلٌ إلى أقرب مدخل له لتأمينه، بدأ الهلع يعم كل الميدان، الجيش المتواجد في معظم المداخل التزم الحياد، بدأت التحصينات في كل المداخل من الأسوار المنتزعة من حول الميدان، وتكسير الحجارة والجميع يحملها لعملية الدفاع. والنساء والكبار أخذوا حجارة ليدقوا بها على المعادن لإحداث صوت كبير يشجعنا ويرهب المهاجمون. طوال تلك الليلة الطويلة، كان المراقبون يتابعون أي اقتراب للبلطجية لأي مدخل من مداخل الميدان، إن اقتربوا صرخوا وأحدثوا صوت بالحجارة على المعدن ليحتشد أقرب المدافعون.

بالطبع 24 ساعة من الترويع والإرهاب في وسط القاهرة تحت علم الأمن وصمته، وبالبث الحي على الكثير من قنوات العالم الحرة تطرح أسئلة كثيرة، لكن النصر كان للمظاهرة السلمية، النصر كان لمصر القرن الواحد والعشرين. لم ننم ليوم كامل والبلطجية تبادلوا في نوبات بعكسنا، وجاءهم الكثير من الإمدادات بعكسنا –باستثناء مظاهرتين من الهرم وإمبابة تمكنوا من الدخول الينا لدعمنا في ساعات الليل-، وكان معهم حجارة جاهزة بعكسنا، ثم ظهرت معهم الزجاجات الحارقة –مولوتوف- بعكسنا، وفي ساعات الفجر، وبعد خسارتهم لأرض ميدان عبد المنعم رياض وأغلب الشوارع الأخرى، ظهر السلاح الأخير، وهو سلاح الجبناء، المسدسات، وحتى هذا ولجبنهم لم ينفعهم، سقط 5 شهداء وأكثر من 800 جريح، وهي جريمة حرب يجب أن يحاسب كل مسئول عنها. ولكنهم هربوا، وأمسك الشباب بعضهم دون خوف من مسدساتهم، وكان كل ما يدخل الميدان أسير منهم يتعرض لضرب مبرح قبل أن يحجز، رغم دعوات البعض لعدم ضربهم لكن النفوس كانت مشحونة.

طبعًا يجب التساؤل لما كل هذا الإصرار على الظلم والعنف والقتل لأخر لحظة؟ وما هي قيمة السلطة ولما التمسك بها حتى والناس تموت؟

بعد اختفاء البلطجية من معظم المداخل في الساعة الثامنة صباح اليوم التالي، يوم الخميس 3-2-2011، تركت الميدان لأنام طوال ذلك اليوم استعداداً ليوم المليون الثالث، يوم جمعة الرحيل 4-2-2011، ومع خروجي رأيت ناس أكثر تدخل الميدان للدفاع عنه، بعد متابعتهم لأخبار 24 ساعة من كفاح المتظاهرون. 24 ساعة وسط القاهرة تابعها المشاهد العالمي مباشر ولم يتحرك مسئول واحد بالجيش أو الحكومة الجديدة لانقاظ المحاصرون.

كيف لا نصدقهم؟ عندما يتابع ملايين الناس حول العالم موقعة الجمل بوسط القاهرة لمدة 24 ساعة والحكومة الجديدة لا تتحرك.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

two's complement

المراحل الخمسة للثورة المصرية

أزمة السياسة والأحزاب في مصر