31 يناير: الميدان وشوارع القاهرة

التضامن أكبر اليوم، العدد صباحًا أكثر من العدد في نفس التوقيت باليوم الفائت، وناس أكثر تشتري الطعام لتوزيعه مجانًا، الوزارة الجديدة أعلنت اليوم وأسماء الوزراء عرفها من بالميدان، وعرف تصريح سرور عن قبول الطعون الانتخابية وأحكام القضاء ضد المطعون عليهم –وهم أكثر من 95% من أعضاء البرلمان-، سرور الذي كان قد أعلن بعد نتائج الانتخابات مباشرة أن المجلس "سيد قراره"، الهتاف يعلوا: "قولوا له لأاا، فاضل له زقه". مازالت الهليكوبتر تطير فوق الميدان كل خمسة دقائق لتصور الحشود التي تزداد. ظهر هتاف جديد لشعور الناس بخطورة حاكم عسكري جديد لمصر: "شعبية، شعبية" وصفًا للثورة.

الآن الساعة الرابعة، مر ساعة على بداية الميعاد الجديد لحظر التجوال. دعوة لمظاهرة مليونية صباح اليوم التالي، قررت العودة لمنزلي لاستعد لليوم التاريخي، بعد يومين في الميدان أحتاج لاستراحة قصيرة. في الطرق الرئيسية انتشرت نقاط التفتيش التابعة للجيش كالعادة، ولكن الغريب أن نقاط التفتيش التابعة للأهالي خرجت من الشوارع الجانبية إلى الشوارع الرئيسية، وأصبحت كثيفة جدًا لدرجة تصيب بالملل، في مسافة أقل من خمسين كيلو متر يوجد أكثر من عشرين نقطة للتفتيش، أطفال وشباب يقفون بكل ما وقعت عليه أيديهم من أسلحة بسيطة إلى أسلحة مخيفة، تتراوح من العصي إلى بنادق الصيد والسيوف –للأسف-، ويبدو أن المواطنون يستمتعون بأداء هذا الدور حتى في غياب الحاجة الأمنية، مثلاً مررت بكوبري في مطلعه نقطة تفتيش وفي منزله نقطة تفتيش، وهو كوبري قصير ولا يوجد مطلع أو منزل أخر له!

عندما وصلت لشارعي بمدينة نصر –ضاحية هادئة بأطراف القاهرة- كان معظم الشباب قد أدرك أن الوضع أصبح أمن وأن معظم ما بقى من أخبار السطو مجرد إشاعات –بخلاف يوم السبت الذي كانت به أعمال سلب ونهب ثبت تورط عناصر من جهاز الأمن المنسحب فيها- وأصبح واضح الآن للأغلبية أن الجيش يحكم الوضع الأمني الآن، ولكن ظل البعض متمسك بالبقاء بالشارع إما خوفًا وحرصًا أو تمسكًا ببقاء روح التعاون بين الجيران –معظم سكان الحي تعرفوا على بعضهم فقط خلال هذه الأزمة، وساهم السكان بتقديم المشروبات والطعام للمرابطين بالشارع-، بعد ساعة فجأة سمعت صوت إطلاق نار قريبًا جدًا من منزلي، صرخت في أهلي ليعودوا بعيدًا عن النافذة، ثم سمعنا صوت صفير والناس تصرخ للرجال بالبيوت: "انزل، انزل"، فورًا نزلت أنا وباقي رجال الحي لنكتشف فعلاً خطورة الحالة بالشارع: وجدنا الناس محتشدون حول دراجة نارية والصخب كبير، ثم حضر الجيش من الشارع الرئيسي سريعًا، عقيد وملازم تقدموا ووضح ما حدث حينها، اشتبه حراس شارعنا فقط بشخص غريب يمر على دراجة نارية، هو بالطبع مر قبل شارعنا بنقاط تفتيش أخرى، ولكن المعروف من يوم السبت أن عصابات النهب كانت تبعث بمستكشف أولا بدراجة نارية يستكشف الوضع الأمني بالشارع الهدف فتتبعه العصابة إن كان الوضع الأمني رديء، وهذا ما استثار الشباب في النقطة وبعض السكان خرجوا من شرفات منازلهم ليطلقوا نيران أسلحتهم، لدرجة أرعبتنا كلنا وأرعبت راكب الدراجة النارية الذي قفز من عليها وجرى وهو يصرخ: "أنا بوصل سمك ديليفري"، ونزل سكان الشارع وحضر شباب النقاط الأخرى جريًا مشهرين أسلحتهم ومن ضمنها سيوف، وأرادوا تمزيق إطارات الدراجة لولا وصول ضباط الجيش وتأكيدهم للناس أن الوضع أمن وأن في هذا الظرف أناس كثيرون يموتون بالخطاء ودون ذنب فقط لارتياب لا ضرورة له.

حينها نشأت مشادة كلامية بين الناس، الكل كان مرعوبًا وغاضبًا من إطلاق النار بدون سبب مقنع. يبدو أن النظام نجح حتى هذه اللحظة في اثارة رعب الناس.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

two's complement

المراحل الخمسة للثورة المصرية

أزمة السياسة والأحزاب في مصر