30 يناير: ميدان التحرير

نهارًا كان بالميدان أكثر من مئة ألف مصري، وسط حراسة الجيش ملتزم الحياد حتى الآن، ظهرت اليوم بعد اتضاح الرؤية طوائف جديدة لم تشاركنا في مواجهة قنابل الغاز يوم الجمعة، ولكن لا يهم، فهي ثورة لكل المصريين. كان لكل طائفة سياسية لمصر ركن في الميدان، وكان كمال خليل –تاريخ الاحتجاج في مصر- يلهب مشاعر اليساريين وحتى مصريين بدون انتماء سياسي طافوا معه الميدان مرددين: "يا عزيز يا عزيز، كبة تاخد الرئيس"، ليعبر بجانب مظاهرة أخرى تردد "الشعب يريد إسقاط النظام"، ثم أفاق من نومه في الحديقة وسط الميدان ضابط الطيران المشهور بعد نشر صورته في صدر صفحة المصري اليوم. وما أن نزل الميدان حتى تجمع كل من في الميدان حوله ورفعوه في مظاهرة جمعت الميدان مرة أخرى.

في ظل كل هذا كانت الطائرة الهليكوبتر تحوم فوق الميدان مرة كل خمس دقائق لتصور ما يحدث لتعرضه لمن يراقب، وبعض الشباب يثبتون مكبرات الصوت للمتحدثين الضيوف بركن من الميدان –ركن كنتاكي- ومكبرات صوت لضيوف آخرين بركن آخر.

كان مكبر الصوت مفيد بالطبع ولكن كانت له بعض الأضرار، فأن يأتي شخص عميل للداخلية وللعادلي -في رأيي- كمحمد سليم العوا ليتحدث، وكأنه كان مناضل أو كأنه شارك بيوم حرب الشوارع يوم الجمعة ضد من كان منهم قبل أسبوع واحد، لم ينطلي على أحد، طبعًا التف حوله أناس سمعوا عنه من قبل، وكان هناك شباب –لم أعرف إن كانوا يتبعونه- يجذبون الناس ليسمعوه ويطلبون منهم الصمت عن الهتاف، وكان هو يقف بانتظار ضبط المكبرات بسبب مشاكل تقنية، كانت كل مصر موجودة بالطبع، كنت أبتعد عن هذا الركن من الميدان ورأيت سيدة لم أعلم إن كانت مسلمة أو مسيحية توبخ شاب ممن يجذبون الناس: "مش عايزة أسمعه، مش بتقولوا ديمقراطية وحرية، أنا مش عايزة أسمع الراجل ده". على بعد عشرون مترًا من هذا التجمع انضممت لمظاهرة جديدة تهتف "مسلمين مسيحيين، كلنا مصريين".

بعد أن غادر العوا، عاد هذا الركن لدوره الأساسي، استخدمه شباب 6 أبريل ليجتمع حولهم الميدان بهتافات مبتكرة مثل "قولوا له لأا، فاضله زقه". مازالت الهليكوبتر تطوف كل خمسة دقائق لتصور حشود تزداد كل دقيقة. يبدو أن هذا أرعب قلب من يراقب بغرفة العمليات، فأراد نقل هذا الرعب إلى قلوب المحتجين، وظهر ما لم أصدق أنه ممكن، طائرتان إف16 لم تخرج خارج مخازنها ضد ناهبينا خرجت فوق رؤوسنا، جريمة تضاف الى قائمة الجرائم، الطائرات تطير على ارتفاع منخفض ثم تعود الهليكوبتر لتصور تزايد الحشود، نهض الجالسون والنائمون لينضموا للحشود، ونزل من يسكن بالقرب من الميدان، وولدت مظاهرة جديدة بميدان عبد المنعم رياض وانضمت إلينا، وتزايدت الحشود لتحمي من بالميدان، وازداد الهتاف. عاودت الأف 16، ثم الهليكوبتر، وازداد الهتاف، ثم على ارتفاع منخفض جدًا طائرتان فانتوم، الصوت عالي جدًا، الهتاف الأن جديد، كل الميدان يشاور بيده للطائرات الحربية، ثم للهليكوبتر: "حسني اتجنن، حسني اتجنن" و"مش ها نمشي، لما يمشي"، بعد نصف ساعة، توقفت الطائرات واستمرت الهليكوبتر تصور بالمعدل المعتاد، وخلال ساعة كانت الحشود بالميدان قد تجاوزت الربع مليون. بالرغم من حلول ميعاد حظر التجول، مازال الحشد في تزايد.

بحلول المساء حضر البرادعي للتضامن مع الحشود، وحضر رموز آخرين للجمعية الوطنية للتغيير، وحضر رموز الإخوان أيضا، كل رمز وقف بركن من الميدان، والتف حوله مؤيديه، الكل يتكلم بحرية في المكان الوحيد حتى الآن في القاهرة حيث الديمقراطية الحقيقية. بعد مغادرة الزوار، أصبح المكان أشبه بمساحة للتنزه، مازال ركن كنتاكي يجذب الحشود، ويتوافد الناس ليشهدوا مكانا حرًا قل تواجده بمصر، ناس حدثوني أنهم نزلوا من محافظات أخرى ساعة سماعهم عن تحليق الطائرات الحربية. الناس تشتري من محلات الكشري المحيطة بالميدان والتي ظلت تعمل خلال حظر التجوال وتعود للميدان لتوزع على كل الناس. ونصب بائعون أماكن لإعداد الشاي في الميدان، وتم تخصيص مكان للخدمات الطبية، وأصبح الجو مبهج جدًا وسط الهتافات الصاخبة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

two's complement

المراحل الخمسة للثورة المصرية

أزمة السياسة والأحزاب في مصر