28 يناير: ثورة لكل طبقات الشعب

عدد من خرج في الانتفاضة لا يقل عن مليون، المظاهرة التي كنت أشارك فيها 90 ألف مواطن على الأقل، وهي التي انطلقت من ميدان العباسية إلى مديرية الأمن قرب ميدان العتبة، تفرقت هناك بسبب جهاز شرطة فاسد أطلق كميات من الغاز المسيل للدموع علينا لدرجة أني لم استطع التنفس لأكثر من دقيقة حتى ابتعدت عن الغاز في الأزقة، وأصبت بالرعب لأن والدي الذي كان معي أصيب باختناق شديد لمدة دقيقة حتى أسعفناه. بعدها سرنا في الشوارع المحيطة، لا أحد يعلم الأخر، الكثير متظاهرون والبعض من سكان الشوارع المتفرجون، بعض التجمعات تظهر ثم تتفرق تحت وابل قنابل الغاز. تقطرنا وسرنا في مجموعات صغيرة، تخطينا أكثر من تجمع للأمن المركزي في مجموعات صغيرة، بدون تنظيم معظم الناس فكروا وفعلوا المثل. تجمعت مظاهرة جديدة بعد كمين ميدان الأوبرا، أيضًا تم تفريقها، دخل الناس في الشوارع الجانبية، البعض ذهب لصلاة العصر، بعد قليل تقطر الناس أيضا وتجمعت مظاهرة جديدة في شارع 26 يوليو، أيضا حشد أمن مركزي عند دار القضاء العالي، الناس تتحرك بعيدًا بالعرض في شارع عماد الدين إلى ميدان مصطفى كامل، ثم نتجه إلى ميدان طلعت حرب حيث المعركة التي استمرت إلى الليل حتى دخول ميدان التحرير بعد نزول الجيش.

بعض الهتافات المرددة:

تغيير، حرية، عدالة اجتماعية

الشعب يريد إسقاط النظام

يا عسكري ساكت ليه، انت بتقبض كام جنية؟

يسقط يسقط حسني مبارك

عايزين الجيش يحمينا، الشرطة بتضرب فينا.

يجب ألا تسرق أمريكا الثورة، على الأقل لأن كميات الغاز المهولة التي أطلقت علينا وقتلت مصريين أمامنا بأيدي مصرية، هي مصنوعة بأمريكا وتأتي بدعم أمريكي. الفريق عنان كان في واشنطن والسماء تمطر غازا فوق رؤوسنا، ولم يشارك في الثورة ولا يجب أن يجني ثمارها.

يجب أن يتم حل جهازي الأمن المركزي وأمن الدولة وكل الأجهزة القمعية ضمن أي نظام قادم، ومحاكمة حبيب العدلي ومديرو أمن كل المحافظات وكل ضابط ثبت أنه أعطى أمر بالهجوم وضرب المصريين. وبعد اليوم لا يجب السكوت على أن ميزانية الشرطة أكبر من ميزانية الصحة أو التعليم، خصوصا بعد ما حدث بالثورة، والناس التي ماتت بأسلحة مصنعة للحفاظ على أمن النظام لا أمن المواطن، والانسحاب المعيب لضباط الشرطة من الشارع لصالح ضباط الأمن المركزي. اتضح أن كل هذه الميزانية ليست لحماية الناس بل لقمعهم.

ما قيل على التلفزيون الرسمي يومها لا يوجد له أي أساس من الواقع، هم يتكلمون عن مكان أخر خارج مصر. في بداية المظاهرة عند العباسية كانت الأكشاك والمتاجر مفتوحة، ورغم العدد الكبير، تجمهر الناس حول الأكشاك لشراء المياه المعدنية والغازية، ولم يترك أحد المكان قبل أن يدفع ثمن ما أخذه. واشترينا كميات من المياه لتوزيعها على المتظاهرين، كان من لا يريد يقول "لا شكرا"، ومررنا بالكثير من المتاجر الزجاجية ولم يمسسها أحد، ومن المشاهد العبقرية الكثيرة التي رأينها أمس، حين صعد أحد المصورين فوق عربة خاصة ليصور حشود الأمن ومشاهد إطلاق الغاز على المواطنون أمامنا، أسرع المتظاهرون بدعوته إلى النزول من فوق السيارة لكي لا يحدث أضرار بها.

أعنف الضباط كانوا مسئولون عن ميدان العتبة وميدان طلعت حرب وميدان التحرير، بالنسبة لميدان طلعت حرب أمر الضابط عساكره كباقي التشكيلات في باقي الميادين بإطلاق كميات رهيبة من الغاز المسيل للدموع والذي كان يخنقنا وتسبب في موت سيدة كبيرة بالقرب منا، وبالرغم من ذلك كان المتظاهرون بالمقدمة يتراجعون ليتنفسوا وفي نفس الوقت يتقدم من يليهم للوقوف بالمقدمة، وكان المواطنون في المنازل حولنا يمدونا بكميات من البصل والخل لنساعد المختنقين على التنفس، وفي النهاية لم يتمكنوا من تفريق الحشود وهرب الضابط ليستولى المتظاهرون على الميدان، وقد وقف العساكر على جانب الطريق، وتجمهر حولهم البعض ليضربوهم ولكننا أسرعنا بالهتاف "سلمية، سلمية" حتى هدئ الناس وتحفظوا عليهم حتى تسليمهم للجيش.

حين حل المساء وسمعنا بوصول الجيش، كان التعب قد تمكن منا بعد المسافات التي مشيناها وكميات الغاز التي تنفسناها، وأخذ مكاننا أشخاص أخرون لا نعرف من هم، ولا أعرف من يتبعون وإذا كانوا مسئولين عما حدث بالليل.

هناك إجماع بيننا على محاكمة شركات الاتصالات سواء المحمول أو الإنترنت بلا أي استثناء بسبب المهزلة التي حدثت، كان أخي يتظاهر بعيدًا عني لم أستطع الاطمئنان عليه إلا في اليوم التالي. وتفرقت عن صديق كان يتظاهر معي ولم أستطع أيضا الاطمئنان عليه إلا باليوم التالي. والكثير من المتظاهرين كانوا يعانون نفس المعاناة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

two's complement

المراحل الخمسة للثورة المصرية

أزمة السياسة والأحزاب في مصر